[تنشر هذه المادة ضمن ملف " الموجة الجديدة في الشعر السوري ( أثر الحرب )" انقر/ي هنا لمواد الملف الكاملة]
مفخخة بألغام الشهوة
الإوزّ الجريح
كأنما الأرض لا غطاء لها سوى الجثث العارية
كأنما هي عجوز تبلل الخبز بلعاب أطفالها وتلتهمه
أسعيد أيها الوطن؟
أما زالت أسنانك الزجاجية تقضم لحم الإوزّ الجريح؟
أما زالت يداك تعبثان بأجساد النساء؟
فيهطل الشوك على الحقول الغضة؟
ثمانون عاماً ولم يكبر أبي
ثمانون عاماً لا تموت ولا تصحو
ولا النهر يعود
ولا الجدران تقف
ثمانون رجلاً،
سقطوا جثثاً هائمة في براري البحر الوحيد
الذي كان غابة
يعبرها حزن الحطابين
والشتاء الفاجر…
مات ثمانون رجلا ً
وامرأة واحدة
في مقبرة الرغبات
حيث يُسحب الرجال من بين أقدام النساء
ويُرمون إلى الحرب
وحدها المرأة التي قتلت
كانت تحمل منجل الحلم الأزرق
وكانت الحيتان تلاحق خطواتها
وتحصي سنوات العمر بسنابل الحقل
ثمانون عاما ً
نحن فعلا نكبر يا أبي..
سيحبل رأسي بكَ
القرص المنوم الأخير،
أكبر من الليل
فمي..
اسْقُطْ عميقاً،
باطن الأشياء يملكُ حقَّ أن يُغرِقنا،
هكذا، يبدو الحب أوضح.
يملكنا صوت الحرب،
أنصتْ،
أترى أصابعي تترهل كأثداء عجوز!
إنّه الوقت يرسم سراباً أحمر،
ليخيف الضوء داخلي،
ليعود نحو ملمس كلّ جزء في جسدكَ،
لأصابعي ذاكرة تحفظ أماكن شهقاتكَ،
ذاكرة بسراب أحمر..
أن تصرعنا خيارات الموت،
أوجهُ النطفة الأخيرة بقوة،
النطفة البيضاء الأخيرة تسيل على جبيني،
سيحبل رأسي بكَ..
ليكون العبث مقنعاً
كنت أتشظى داخلك
كجسد آيل يتفسخ في ظل امرأة..
كلّ شيء بدا جيداً،
حتى لساني الذي عقدته كورم خبيث..
إلى أن سقطتُ كجناح طائر مصاب،
حاملة قلبك وقلبي،
وطنك ووطني،
جهتك وجهتي،
وأظن أني سليمة بطريقة مقنعة
أنهض كما أراد الوطن،
مفخخة بألغام الشهوة
ليفقد كلّ رجل صادفته قدماً،
يداً،
قلباً،
وجهة من الجهات الأربع..
حتى وصلتُ اليوم
سنبلة كبرت إلى جانب طير جريح،
وصارت بطريقة مقنعة امرأة تشتهيك
كلما سمعت صوت انفجار يلتهم رجلاً..
ولسبب ما،
ليكون العبث مقنعاً،
ولأن الوطن المسخ يلتهم القلوب،
فساتين النساء الخفيفة،
ودواء الأطفال بنكهة الكرز..
لأنك الذي قبلتني،
نازعاً من جسدي ألغام الحرب..
أعود إليكَ،
ناضجة ككمأةٍ صلبة تحت الأرض
كجندي عائد بنصف وجه،
كامرأة نسيت ثقل الألغام فوق ذراعيها..
+++
مناهل السهوي شاعرة سورية أصدرت مؤخراً ديواناً مشتركاً مع الشاعر أحمد كرحوت صادر عن ملتقى ثلاثاء شعر في دمشق في 14/4/2015 بعنوان (قاع النهر ليس رطباً) عن دار سرجون للطباعة والنشر، شاركت بعدد من المهرجانات والأمسيات الشعرية ونشرت في عدد من المجلات.